ما كل ما يتمنى المرء يدركه

كلنا نحلم أن نصبح أغنياء. ففقيرنا يحلم، وغنينا يحلم، والصغير والكبير. كلنا نحلم أن نصبح أغنياء فاحشي الثراء بين عشية وضحاها. وبدون مقدمات. بِلَيَّةٍ واحدة من خاتم سليمان أو بضربة من عصا سيدنا موسى تنقلب حياتنا ر أسا على عقب. فننتقل من حياة التعاسة والبؤس، إلى حياة السعادة والترف، ومن حياة الكآبة والمرض، إلى حياة السرور والعافية. ولو قدر لبعضنا أن يطلع على ما يدور في رؤوس البعض الآخر من أحلام وأوهام، لاندهشنا من غرابة ما سنكتشفه.
فهذا شاب عاطل ملتصق بعمود كهرباء، عند منعطف الحي، بلا شغل ولا عمل، منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، يحلم أن يغلق عينيه للحظات ثم يفتحهما فيجد نفسه واقفا أمام باب منزل فخم في إحدى ضواحي باريس وقد تحلقت حوله الشقراوات تتنافسن في كسب مودته، وهو مستلق على مقعده أمام المقود في سيارته "اللامبرغيني" مكتظة جيوبه بأوراق اليورو.
وهذه فتاة من أسرة متواضعة، قد بذل أبوها من أجلها الغالي والنفيس، بغية أن تنهي دراستها، لا تكاد تستفيق من أحلامها. فتتصور نفسها تارة، رفقة الممثل التركي الشهير "جان يامان" وهو يمسك بيدها يتجولان في شوارع إسطنبول، وتارة تتصور نفسها مخطوبة لأمير من أمراء الخليج، جالسة إلى جنبه في طائرته الخاصة المتجهة بهما إلى مدينة فولز الأمريكية، لمشاهدة شلالات نياجرا الشهيرة.
فالجميع يحلم بدون انقطاع، والكل غارق في الأوهام حتى النخاع.
لا يكاد ينتهي من حلم، إلا ليعاود الغطس في حلم يليه، أكثر غرابة من سالفه. لا أحد منا راض عن واقعه. ولا أحد منا مرتاح لما هو فيه. وللأمانة وقول الصدق. لا بأس في أن نرسم لنفسنا أهدافا نطمح لنصل إليها في يوم من الأيام. لا بأس أن نسرق من عمر الزمن، لحظات نختلي فيها بأنفسنا ونحلم. المشكلة ليست في الأحلام. المشكلة تكمن في تطرفنا في أحلامنا ومغالاتنا التي تنأى بنا بعيدا عن شاطئ الواقعية. فنبتعد كثيرا في عرض البحر. ونضل الطريق ونشقى.
علينا أن نضع أقدامنا على الأرض حين نكون نحلم. وتكون طموحاتنا متوافقة مع إمكانياتنا. فالحكم والسيادة للعقل. وحضوره ضروري في مملكة الخيال.. فهو الكاتب والمخرج والمصور الذي يرسم الحلم، ويحدد أبطاله ويكتب فصول المسرحية التي سنصعد على خشبتها داخل أحلامنا. أما إن ألغينا دوره الأساسي في صقل نفوسنا وتحفيزها بالحماس المتولد عنه، فلنا عبرة حسنة في قصة الراعي البئيس الذي بددت أحلامه ضربة العصا التي كسرت الجرة على رأسه، وأساحت السمن على رأسه وعلى كتفيه.
التعليقات
إبقَ على اطلاع