الممكن والمستحيل

سأكرس حياتي لأكون مهندسا، وسآتي إلى بيتك يا أميرتي الغالية، لأطلب يدك.
سأضع حقيبة ظهر على كتفي، وأنهب الأرض نهبا مشيا على الأقدام، حتى أصل إلى بيت الله في مكة.
سأقفز من صخور طنجة العالية، وأقطع البحر عوما، حتى أصل إليك يا جبل طارق.
عظيم... رائع... مهمات سهلة جدا.. وبسيطة... في استطاعة أي واحد منا أن يحققها بكل سهولة! ماذا أيضا؟ سأغوص في عالم الدبلوماسية، وأعمل بلا كلل حتى أجد الحل الدائم للسلام العالمي. وماذا أيضا؟ سأدرس الطب وسأتوصل لإيجاد علاج نهائي لجميع أنواع السرطان. على رسلك يا أخي... أسألك بالله ان تتوقف عن الكلام... لا تضف كلمة واحدة. هل أن متأكد أنك تفهم ما تقول؟ هل تعي المعاني التي تخرج من فمك؟ دعني أستمر في وضعي ثقي بك، وإلا سأنهض وأتركك تكلم نفسك وحيدا. فهل تدرك بعقلك ما يتفوه به لسانك، أم أنك حقا مجنون؟ هل تعلم كم هي المسافة الفاصلة بينك وبين بيت الله الحرام؟ أظنها لا تقل عن6000 كيلومترا وهذا يعني حوالي 7 ملايين خطوة. هل تعي ما يعنيه هذا الرقم الهائل؟ هل تفهم؟ هل وصل المعنى أم تحتاج إلى خريطة؟ طيب لنفترض أنك قررت فعلا أن تحج بيت الله مشيا يا على الأقدام، فإنك على الأرجح ستبدأ رحلتك بحماس وكأنك بطل خارق، لكن سرعان ما ستكتشف أن كل خطوة تخطوها تشبه محاولة تسلق جبل إيفرست بدون معدات. ستواجه آلاما في عضلاتك وستشعر بمفاصل رجليك تتمزق، وستتساءل أثناء السير إن كان هذا التحدي فكرة جيدة اهتدى إليها عقلك العبقري، أم أنك ارتكبت ذنبا فعاقبك الله بأن تجوب الأرض مشيا على الأقدام ...ومع كل خطوة تخطوها، ستشعر وكأنك تسير في ماراثون لا نهاية له، تتخلله لحظات من التفكير، يشرد فيها ذهنك بعيدا، وستفكر حتما في اختراع حذاء طائر ترتديه ليحملك إلى وجهتك. أما بالنسبة لقطعك المسافة عوما بين طنجة وجبل طارق. فتعال لننظر إن كان ذلك ممكنا؟ تخيل معي نفسك وأنت تسبح بين طنجة وجبل طارق، حيث التيارات البحرية قوية جدا. ستسحبك وكأنها تقول لك:
"هه.. أين تظن نفسك ذاهبا؟"
والمياه الباردة تعانقك وكأنها تهمس في أذنيك:
"مرحبا بك في نادي البطاريق ".
وبينما أنت تحاول النجاة بنفسك، يظهر قنديل بحر ليقول لك:
"هل تحتاج إلى مساعدة؟ "
وفي النهاية، تتساءل لماذا لم تستمع لنصيحة أمك، وتبقى على الشاطئ؟
أما بالنسبة للسلام العالمي والسرطان، فأنا لست متخصصا لا في السياسة ولا في الطب لأضيع وقتي في مجادلتك. سأكتفي بأن أقول لك هذا حديث لا يقبله عقل، ولم يدَّعه أي حكيم لحد الآن.
ألا ترى معي أن الحياة أصبحت صعبة للغاية، وأن من يتهاون فيها سيجد نفسه لا محالة في مأزق؟ وإذا قدر وأضعت فرصة، فقد تجد نفسك في موقف لا تحسد عليه. لقد أصبحنا نعيش في عالم يعج بالأحلام والطموحات، لذا يجب علينا أن نبقى متزنين. لا نضيع طاقتنا في مطاردة السراب. فالعقلاء يدركون أن التعلق بما لا ينال هو ضرب من الجنون لا ريب فيه، وأن الطموح يجب أن يكون في حدود الممكن والمعقول. فلتكن أحلامك كبيرة، لكن لا تنس أن تزرع قدميك على أرض الواقع، حيث يمكن للجهد والعمل أن يثمر. فالإنسان الحكيم يعرف أن الطاقة ثمينة، ويجب أن تستثمر في ما هو مفيد وواقعي. لا تتعلق بما قد يكسر ظهرك، ويتركك طريح الفراش، تلعن الحظ الذي عاكسك. بل اِسْع لتحقيق ما تستطيع، وكن طموحا بحدود المستطاع. فالحكمة تكمن في معرفة حدودك، والعمل بجد لتحقيق ما هو ممكن، دون أن تستهلك نفسك في محاولات عبثية. إن التوازن بين الطموح والواقعية هو مفتاح الفوز. فالأحلام العظيمة تحتاج إلى خطط واقعية، والجهد المستمر هو السبيل لتحقيقها. لا تدع الأوهام تسيطر عليك، بل كن واقعيا في طموحاتك، واعمل بجد لتحقيقها. فالطموح بلا حدود قد يؤدي إلى الإحباط، بينما الطموح المدروس يقود إلى تسلق الهرم. وفي نفس هذا السياق، يجب على الإنسان أن يتعلم من تجاربه وأخطائه، فالحكمة تتأتى من التجربة والتعلم. لا تخف من الفشل، بل اعتبره خطوة نحو النجاح. كن متزنا في تفكيرك، واستعد لتعديل خططك إذا لزم الأمر. فالحياة مليئة بالتحديات، والقدرة على التكيف معها، هي ما يميز الفائزين.
وفي النهاية، تذكر أن السعادة لا تكمن في الوصول إلى الهدف فقط، بل في الرحلة ذاتها. استمتع بكل لحظة، واحتفل بكل إنجاز، مهما كان ضئيلا. فالحياة قصيرة، والطموح. يجب أن يكون مصدرا للسعادة والإلهام، وليس مجلبة للضغط والإحباط.
التعليقات
إبقَ على اطلاع