أنا لست مثلك

أنا لست مثلك يا صديقي.
أنا لست هنا، لأستمع إليك.
لا تضيع جهودك في البحث عني.
لا تطرق الباب.
سوف لن اخرج لأُلاقِيَكْ.
أنا لا أريد أن أراك مرة أخرى.
ابتعد عني رجاء.
لقد تعبت منك، ومن أحاديثك كلها.
ماذا تريد؟
أن نجلس للمرة الألف في المقهى.
ونبكي مرة ثانية على ليلى.
لنجتر نفس القضايا.
وذات الحكايا.
وعين الرزايا.
فإلى متى؟
كفى. لم أعد اقوى.
لم أعد أستطيع.
دعني رجاء.
أنا لا أريد أن أهلِك جاثيا.
متلفعا بالدموع وبالمخاط وبالعياط.
أنا لن أتوسل قاتلي، أريد أن أقضي ضاحكا.
متبسما في وجه الردى.
البارحة فقط يا صديقي.
جلسنا في المقهى لأكثر من نصف يوم.
وتحدثنا عن الطماطم، وعن الجماجم وعن السلالم.
وتصارخنا حول النفاق وحول الطلاق وحول الشقاق
وتخاصمنا حول الديون وحول السجون وحول الجنون.
أتظنني لست من هذا البلد.
لست مطلعا على كل الأمور.
ولا أعلم ماذا يدور.
وعلى من الجاني يجور.
كفى. فأنا أشد منك تألما.
واعلم بما يجري في كل القضايا.
وأرى خلف المرايا.
وكل الشجون.
فما جدوى البكاء على الحطب.
فيمَ تجدي الولولة؟
انهض من مكانك ولا تلمني.
فنحن لسنا متماثلين.
لقد جفت دموعي في عيوني ليلة أمس.
لم يعد فيهما ما اسكبه.
لم أذق للنوم طعما.
قضيت ليلي كله متألما.
متوجعا.
تطاردني صور الثكالى، والأرامل، والحزانى
تتراءى لي أطيافهم، في كل الزوايا متشرذمين.
متساقطين. متناثرين.
ممزقين من الأنين.
سقطت أسنانهم.
ذهبت أصواتهم.
خر معظمهم.
كفى.
أنا لست مثلك يا صديقي.
فنفسي جد مرهفة.
تتأثر بالحرف والكلمة والناي الحزين.
لا تسكب زيوتك على ناري
فنفسي جد مضطرمة.
تغلي صحاريها بالحميم وبالسيول وبالجحيم.
وأصوات البنادق والمدافع والصواعق لا تنكتم.
أصمت. كفاك قولا.
فأنت لا تؤمن بما تتفاصَحُ به.
ننتقد الرشوة ونبذلها.
ونعيب الوساطة ونأتيها.
ونزاول الفساد الذي سوف نشجُبه.
وبعدئذ.
نتصايح ونهتف:
لا للفساد.
نقور عين الكفيف ونرشده.
ونقطع رجل الكسيح ونحمله.
ونردي جسم القتيل وندفنه.
ثم بعد ذلك.
نتباكى ونصرخ. وندعي أننا أبرياء.
أنا لست مثلك يا صديقي.
رجاء لا تزرني مرة ثانيه.
التعليقات
إبقَ على اطلاع