عنــــــدمــــــا

عندما تستيقظ في الصباح على صوت أمك الحنون، تدعوك للانضمام إليها على مائد ة الإفطار لتشاركها فنجان القهوة، تذكر أن الدنيا لا تزال بخير، وأن في تلك اللحظات البسيطة تكمن أعظم النعم.
عندما يمرض جارك على اليمين، وتسرع لزيارته، لتجد أن جارك على الشمال قد سبقك إليه، فاعلم أن الخير لا يزال ينبض في هذه الدنيا، وأن الإنسانية ما زالت حية في قلوب الناس.
عندما تضيق بك الدنيا وتشتد عليك الأزمات، وتجد هاتفك يرن مرارا وتكرارا بأصوات أصدقائك الذين يسارعون لمد يد العون وإقراضك ما تحتاجه لتجاوز محنتك، فاعلم أن الشهامة. لا تزال بخير، وأن النبلاء لا يزالون بيننا.
عندما تفتح نافذة على منصات التواصل الاجتماعي، وتغوص في بحر المواضيع التي أنشأ محتواها أبناء بلدك، وتقرأ التعليقات فتجدها تنبض بالحياة والثقافة الراقية، تدرك حينها أن الثقافة لا تزال. حاضرة، وأن الأمل في مستقبل مشرق لا يزال قائما.
عندما تفتح باب مرآبك وتخرج بسيارتك، وتقف أمام الطريق منتظرا أن يخلو من السيارات العابرة. فلا يطول انتظارك إلا بضع لحظات، حتى يتوقف أول سائق ليتيح لك المرور في تلك اللحظة، تدرك أن روح التسامح لا تزال حية بين الناس.
عندما تتعرض امرأة للاعتداء، ويهرع الشباب لحمايتها وتسليم المعتدي للسلطات، تدرك حينها أن احترام المرأة لا يزال راسخا في قلوب الناس، وأن النبل والشهامة لا يزالان ينبضان في مجتمعنا.
عندما تمسك بقبضة سلتك وتتجول بها في زحام السوق، وتجد أن جيوب محفظتك قد فرغت، بينما وزن سلتك لا يزال خفيفا، تتلاعب بها نسمات الريح، فاعلم أن الدنيا ليست على ما يرام.
عندما تسير بعربتك في زقاق ضيق، وتلمح الأطفال يلعبون أمام أبواب بيوتهم، بوجوه شاحبة وأجساد هشة، نحيلة، قد ترك الفقر عليها بصمته، فاعلم أن الحياة ليست بخير.
عندما تحمل طفلك المريض بين يديك. وتهرع به إلى المستشفى، وتتمكن من التسلل من حارس الأمن إلى الداخل، وتفزعك مشاهد المرضى المتساقطين في الممرات، وبقع الدماء المتجمدة على الأرض والجدران ويصيبك الذعر، وتولي هاربا، فاعلم أن الدنيا على حافة الانهيار.
عندما تصحب ابنتك إلى المدرسة، وتدخل إلى ساحتها، وتتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعك من هول ما تسمعه من كلام فاحش بين الأطفال حينها، تدرك أن الأخلاق قد ذهبت، وأن أصحابها قد رحلوا.
عندما تقف على حافة الطريق، تنتظر الحافلة التي ستأخذك إلى وجهتك، وتجد نفسك تدخلها محمولا على الأكتاف من شدة الازدحام، والعرق يتصبب من كل جزء فيك، فاعلم أن الحياة قد تحولت إلى جحيم.
عندما تدخل إلى المسجد وتجد نفسك تصلي خلف الإمام مع زمرة قليلة من المصلين، فاعلم أن الإيمان قد بدأ يخفت في قلوب الناس. في تلك اللحظة، تشعر بأنك جزء من جماعة صغيرة تحمل شعلة الإيمان في زمن تضاءلت فيه القيم الروحية.
عندما تخطو إلى إحدى الإدارات لاستخراج شهادة، وتجد نفسك يتقاذفك الموظفون كما يتقاذف اللاعبون كرة القدم، فاعلم أن الحس المهني قد تلاشى في قلوب الإداريين، وأن الوطن يتدحرج نحو هاوية مظلمة. في تلك اللحظة، تشعر بأنك جزء من مسرحية عبثية، حيث يصبح كل توقيع معركة، وكل ختم أملا بعيد المنال.
التعليقات
إبقَ على اطلاع