HAMASAT

HAMASAT

Apr 29, 2025

ضيف الحكومة

الحياة أصبحت صعبة للغاية في وقتنا الحالي. الأشياء غدت لا تنال بنفس السلاسة واليسر الذي كانت تحرز فيها فيما سبق من الأيام... ففرص العمل اندثرت، وأسعار البضائع ارتفعت، وروابط التكافل والتضامن الاجتماعي انفصمت، وأضحت الأنانية واللامبالاة والتمركز حول الذات وسوء الأدب والأخلاق من أبرز الملامح والسمات التي نرصدها في الأفراد والجماعات. كأن نهاية العالم قد اقتربت، أو الساعة قامت، أو على وشك أن تقوم. وعندما تطلق فكرك يمنة ويسرة، تتأمل في شؤون الناس. تصيبك الدهشة ويتملكك الفزع مما آل إليه حالهم وصارت عليه أحوالهم وأوضاعهم. تجد نفسك تتساءل من حيث لا تدري...

ما بال هؤلاء الناس صاروا إلى ما صاروا إليه من تردٍّ؟ ما بال أحوالهم تأزمت، وأوضاعهم تدهورت، ومشاكلهم تفاقمت؟ ما الذي أركسهم في جحيم هذه الحمأة المتعفنة والطين الآسن الذي بلغ بهم إلى الرقاب؟ ما الذي أوقعهم في هذا الدرك الساقط وهذا المنحدر السحيق؟ هل ماتوا. هل ماتت قلوبهم؟ وذهبت عقولهم؟ وتعفنت أرواحهم؟

وصاروا ليلا بلا قمر، وعيونا بلا بصر، وكلمات بلا معنى.. وحين تشرع في تقصي أسباب هذه الانهيارات، وتبدأ بحثك بالاتصال بالناس من شتى الأصناف والأطياف، وتنطلق في طرح الأسئلة، تأتيك الردود كلها متشابهة... كأنما نطق بها فم واحد وصيغ معناها من كلمات متطابقة: "الحكومة". الكل يرجع الأسباب كلها للحكومة. فهي المسؤولة عن البطالة، والأمية، والغلاء، والطلاق، والفقر، وتفشي الأمراض، والمخدرات، وهي المسؤولة عن المجانين الذين أصبحوا يذرعون أزقتنا ليل نهار، حفاة عراة، وعن المومسات اللائي صرن ينتشلن علانية الأزواج من زوجاتهم، والعزاب من فردانيتهم، وعن اللصوص الذين مردوا على سرقة أموالنا، وكسر أبوابنا، وتهشيم أنوفنا، ليوفروا الرغيف لأنفسهم... 

الحكومة هي المسؤولة... وأغرب شيء يشدهك وأنت تستمع إلى أجوبتهم ثقتهم العمياء في تحليلهم للوضع، واعتقادهم الراسخ في تشخيصهم للداء والعلة التي تسببت في صيرورتهم إلى ما صاروا إليه من تدهور. فالحكومة هي المسؤول الوحيد في نظرهم عن الحالة العامة للبلاد. يقولون هذا وهم يعلمون أن هذه الحكومة انبثقت من صناديق اقتراع هم من ملأ فراغها ببطاقاتهم، وهم من اصطفى أفرادها لمختلف المسؤوليات. 

كأن هذه الحكومة لم تنبثق من رحم الشعب وإنما تهاطل وزراءها علينا بالمظلات قادمين إلينا من كواكب أخرى. فالحكومة هي التي يجب ان تبني المعامل، والمصانع، وتشيد الموانئ، والمطارات، وتجهز الجيش، والشرطة، وفرق الإنقاذ، وتوفر الطعام والشراب والدواء، وتكنس الشوارع والأزقة، وتحرث الأرض وتزرعها، وتحصد وتوزع المحصول على أفراد الشعب، وتربي الأطفال وتساعدهم على قضاء حوائجهم في دور المياه، وتحقنهم بالفطنة والنبوغ والشيم النبيلة، ليكبروا أسوياء أذكياء، مؤهلين ليتمتعوا بحياة كريمة وشريفة، وتداعب   أفراد الشعب مساء على أسرتهم، وتجعلهم ينامون مطمئنين في سلام ودعة. وكأن الشعب ضيف عند الحكومة. وإكرامه شرف لا يضاهى، وواجب مقدس لا يتعين على أحد القيام به، عدا طاقم الحكومة. فليكنز الأغنياء ثرواتهم في الأقبية، وليراكم الأثرياء أموالهم في البنوك وفي الدهاليز. فالحكومة ليست في حاجة إليها لتوفير التمويل الضروري لتشييد المعامل والمصانع، وإطلاق البواخر والقطارات. ولينعم الطلبة والجامعيون بنوم هادئ مطمئن. فالحكومة لا تحتاج إلى ابتكاراتهم، ولا إلى تصاميمهم لتشييد أي بناء ولا إلى صناعة أية أجهزة. أما الآباء والأمهات فليسوا مطالبين بشيء.. لا بكد ولا عمل، ولا حتى بتربية. مسؤوليتهم الوحيدة هي الإنجاب.. إنجاب الأولاد والبنون والذرية الذين سيحلون ضيوفا كراما على قصر الحكومة من لحظة حضورهم إلى هذه الدنيا. فيا أسفاه على أمة ضحكت على جهلها الأمم. ويا حسرتاه على أمة نسيت مجدها. 

من الذي سرق عقولنا؟  من أحرق الكتب؟  أصرنا أغبياء إلى هذه الدرجة.. ألم نعد نفهم أن المحركات هي من يدفع بالباخرة في عرض البحر وأن الربان يمسك فقط بالعجلة.. وأنها هي ذاتها التي ترفع جسم الطائر ة في الجو وأن الطيار لا يحمل شيئا من ثقلها.. وإنما هي عينها من يحمله. وأنها هي من يدفع بالقطار على سكته وإنما جعل السائق لمراقبته. كيف غاب عنا أن الشعب هو المحرك الذي يدفع بالعربة نحو الأمام.

كيف نسينا أن الشعب هو المحرك والبنزين والعربة في نفس الوقت؟ ماذا تستطيع حكومة أن تفعل من أجل شعب ميت؟ وهل تقاد العربات إلا بمحركاتها ...!!!

إذا لم أستيقظ أنا، وأنت وكل ترس من تروس المحرك الذي في العربة. فلن تتحرك بنا أبدا العربة. 

About Me
Abderrahmane Hassani

I'm a traveler, wanderer, explorer, and adventurer of life's great journey.

About Me
Abderrahmane Hassani

I'm a traveler, wanderer, explorer, and adventurer of life's great journey.

About Me
Abderrahmane Hassani

I'm a traveler, wanderer, explorer, and adventurer of life's great journey.

التعليقات

إبقَ على اطلاع

مقالات قد تنال إعجابك

Apr 29, 2025

هناك في مكان ما، في جزء ما، في نقطة ما، يكمن الخلل في داخلك. 

Apr 29, 2025

هناك في مكان ما، في جزء ما، في نقطة ما، يكمن الخلل في داخلك. 

Apr 29, 2025

هناك في مكان ما، في جزء ما، في نقطة ما، يكمن الخلل في داخلك. 

Apr 29, 2025

.كل شيء حولي في حالة من الفوضى والارتباك

Apr 29, 2025

.كل شيء حولي في حالة من الفوضى والارتباك

Apr 29, 2025

.كل شيء حولي في حالة من الفوضى والارتباك

Apr 29, 2025

...كل يوم هو بالنسبة لي فرصة جديدة للحياة. فرصة غالية أقدِّرها وأجِلُّها. أعلم أنها فترة زمنية ثمينة، منحني الله إياها

Apr 29, 2025

...كل يوم هو بالنسبة لي فرصة جديدة للحياة. فرصة غالية أقدِّرها وأجِلُّها. أعلم أنها فترة زمنية ثمينة، منحني الله إياها

Apr 29, 2025

...كل يوم هو بالنسبة لي فرصة جديدة للحياة. فرصة غالية أقدِّرها وأجِلُّها. أعلم أنها فترة زمنية ثمينة، منحني الله إياها

Apr 29, 2025

...أشعر بالضيق والاختناق. أحس بنفسي كما لو أنني مطمور تحت ركام هائل من الأتربة والنفايات. كصرصور كسيح مقلوب على ظهره، في جوف بالوعة من بواليع

Apr 29, 2025

...أشعر بالضيق والاختناق. أحس بنفسي كما لو أنني مطمور تحت ركام هائل من الأتربة والنفايات. كصرصور كسيح مقلوب على ظهره، في جوف بالوعة من بواليع

Apr 29, 2025

...أشعر بالضيق والاختناق. أحس بنفسي كما لو أنني مطمور تحت ركام هائل من الأتربة والنفايات. كصرصور كسيح مقلوب على ظهره، في جوف بالوعة من بواليع

اشترك في النشرة البريدية

تصلك مقالاتنا مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

© 2025 Hamasat. Créer par MonkeyDzign.

اشترك في النشرة البريدية

تصلك مقالاتنا مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

© 2025 Hamasat. Créer par MonkeyDzign.

اشترك في النشرة البريدية

تصلك مقالاتنا مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

© 2025 Hamasat. Créer par MonkeyDzign.