هناك في مكان ما، في جزء ما، في نقطة ما، يكمن الخلل في داخلك. 

الخلل الذي يبقيك منبطحا في كبوتك. مستلقيا على ظهرك، أو على جنبك، لا تستطيع حراكا. وكأن يدا ما خفية، تمسك بك. تحكم قبضتها عليك، لا تريد أن تخلي سبيلك، لتنهض وتبدأ في المسير. 

فإذا كان جاثوم النوم، وهو حالة قد تعتري أي أحد منا، يشعر فيها الشخص بعدم القدرة على الحركة أو الكلام عند الاستيقاظ أو النوم، لا يستغرق إلا بضع لحظات في ضغطه على صدرنا ثم يزول بعد ذلك. فإن جاثوم اليقظة قد يستغرق في إمساكه بتلابيبنا بضعة شهور ولربما بضعة أعوام أو أكثر... إلى أن نتنبه من غفلتنا ونفيق ونبلغ مرتبة من اليقظة أعلى بكثير من تلك التي كنا نعتقدها كافية للنهوض بأعبائنا. فاليقظة درجات متفاوتة، تتراوح مستوياتها بين أدنى درجات الانتباه، وأعلاها مرتبة على سلم قياس أفعالنا وردود أفعالنا في هذا العالم، الذي نتبادل فيه المنافع والمصالح مع غيرنا. وعلى غرار ما تجزم به الفيزياء في بابها الذي يتعلق بدراسة كمية حركة جسم صلب ما، الذي ينص قانونه على أن كمية حركته تتناسب طرديا مع مقدار كتلته وقيمة سرعته. فإن هذا القانون نفسه، هو الذي تستشعره البديهة يتحكم في كمية حركة شخص ما أثناء تفاعله مع ما تربطه به علاقة في هذا العالم الذي نعيش في داخله. فالكتلة هنا، هي مقدار علمك، وثقافتك، وحجم إدراكك، لما يحدث في هذا الواقع من تطورات. بينما السرعة، تعبر في هذه المقارنة عن درجة يقظتك، وانتباهك، واستعدادك اللحظي لأن يكون لديك ردة فعل لأي فعل قد تستشعره. 

فكلما كان مقدار علمك عاليا، ودرجة يقظتك مرتفعة، إلا وكانت كمية حركتك في المجتمع فاعلة وقوية. 

أما وإن كانت إحدى هاتين الميزتين منعدمتين، أو تكادا، فإن كمية حركة المرء في المجتمع لن تزيد عن تفاعل بسيط يقترب في مجمله من الكسل والخمول، منه إلى الحيوية والفعالية. لابد أن يكون هناك خلل ما في إحدى هاذين العاملين إن هو أحدنا لاحظ في نفسه فتورا. أو ركودا، أو تراخيا في القيام بواجبه، والزحف بكل قوة وحزم نحو الأمام. 

ولهذا السبب يتعين في مثل هذه الحالات رفع الغطاء عن المحرك، وفحص كل التروس والتحقق من مستوى الزيت في الخزان...لئلا تخذلنا السيارة وتقف بنا وسط الطريق، ونصير عرضة للاعتداء والنهب قبل وصولنا إلى أهدافنا. وأهم ترس يجب التأكد من سلامته أولا قبل الشروع في فحص باقي القطع، هو ترس اليقظة. يجب أن نتعرف على درجة استيقاظنا وإحساسنا بما يدور حولنا من مجريات. إن على المستوى القريب في محيطنا العملي، أو الدراسي، أو الأسري، أو المتوسط على مستوى وطننا، وما يتعين علينا فعله كمواطنين أسوياء مدينون لبلدنا على غرار ما يقدمه المواطن الغربي لبلده للرفع من مستواه بين الدول، أو البعيد على مستوى أحداث العالم وما يطرأ عليها من تغيرات. إن عامل اليقظة هذا هو عامل مهم في حياتنا كأفراد وجماعات. يجب أن نوليه من العناية والاهتمام بما يتناسب ودرجة خطورته في التأثير على صيرورتنا، وزحفنا الدؤوب نحو المستقبل. 

فكل سهو عن المضي إلى الهدف، أو إغفاءة، أو تلكؤ في حركتنا نحوه هو ناتج في الحقيقة عن عطب ما أصاب أحد أجهزة اليقظة التي لدينا لسبب من الأسباب. 

يجب علينا أن نتعلم كيف نطرح الأسئلة الصحيحة على أنفسنا بين الحين والآخر لنصل إلى أجوبة. لا مناص من أن نحجز أنفسنا ونخضعها للاستنطاق لنعثر على موضع الخلل ونتعرفه. ونقوم بإصلاحه على الفور وننطلق. فإن كان سبب غفلتنا راجع لخوف من فشل في مشروع ما... عرفناه. وإن كان مرده إلى نقص في الانضباط الشخصي أثناء الإنجاز... علمنا به، أو إلى البيئة المحيطة أو الدعم الاجتماعي... وعينا بكل التفاصيل. فالحلول سهلة وميسرة بين أيدينا لا تتطلب منا طاقة تذكر، ولا مجهودا فوق استطاعتنا للقضاء على المرض واستئصاله منا للأبد.. 

إن في داخل كل منا ماردا عظيما يتلبسه، لو يسرت لنا يد القدرة مشاهدته لهوينا على الركب هلعا من منظره.. 

إننا أقوياء لدرجة لا نستطيع أن نتصورها. ولكنه الجبن، وعدم الثقة بالنفس، وتحبيذ الراحة والميل إلى الدعة والاسترخاء. إن في استطاعة أحدنا أن يزحزح الجبال عن أماكنها، ويخترق البحار، ويحقق كل أحلامه، لو أنه أراد فعلا القيام بذلك. فكل شيء ممكن عندما نقوم بضبط مؤشرات ملَكاتِنا كلها على القيم الصحيحة. ونعمل على تعديل متجهة كمية حركتنا وفق الطريق القويم. 

إن في داخل كل واحد منا وحشا جبارا يستطيع أن يحقق المستحيل، لو أننا فحسب أطلقنا سراحه، ليخرج من معقله ويشرع في حل المعضلات الواحدة تلو الأخرى. لا شيء يمكن أن يصمد في طريقه. لا أحد يستطيع أن يثنيه عن رغبته. 

وهذا ما تعمل الدول العظمى على غرسه في أبناءها منذ نعومة أظفارهم ليكبروا أسوياء، أقوياء، مقاتلين أشداء، ذوي بأس وصرامة. لقد أدركت حكوماتهم أن للتربية دورا محوريا في تحرير الطاقات الكامنة داخل أجيالها. ولذلك فهي تعمل على تغذية هذه الطاقات وتقويتها ومعالجتها من كل الأمراض. لتكبر سليمة وقوية. قادرة على مواجهة الصعاب. فالتربية لم تكن أبدا مسؤولية يتحملها الآباء لوحدهم، بل هي أيضا مسؤولية المربين الكبار على مستوى الدولة  .خذ على سبيل المثال وزارة الثقافة اليابانية، التي  أنتجت العديد من المسلسلات الكرتونية التي تلهم الأطفال وتدفعهم للإبداع منذ نعومة أظفارهم .ومن  أبرز هذه المسلسلات، المسلسل الكرتوني الياباني الشهير "جريندايزر" الذي اكتسب شعبية واسعة في العالم العربي بعد دبلجته .هذا المسلسل كان له تأثير كبير على الأجيال اللاحقة، حيث  ألهم العديد من الاكتشافات العلمية التي حققتها اليابان منذ التسعينيات، مثل تطوير الروبوتات المتقدمة، وتقنية البلوتوث، والشاشات المسطحة ، وتقنيات السيارات الهجينة، وغيرها من الاختراعات. ولعل شخصية البطل "دوق فليد"، الذي كان يستخدم الروبوت العملاق "جريندايزر" لمواجهة ا لأعداء الذين يهددون الأرض، كانت الحافز الرئيسي لإطلاق الطاقات الكامنة في جيل السبعينيات، الذين قدموا لبلدهم وللعالم تلك الاختراعات الخارقة. ولك أن تتخيل ما قد يشعر به طفل صغير في اليابان عندما يتابع البطل الأسطوري "جريندايزر" وهو يحقق انتصارات أسطورية على أعداءه تحت قيادة "الدوق فليد". فيتصور نفسه مكان هذا الدوق وهو يتربع قمرة قيادة هذا الروبوت العملاق وينطلقا معا لمحاربة الأعداء في تناغم مثالي بينهما. 

إنهم يجعلون أطفالهم يشعرون بأن في داخلهم يربض مارد عظيم قادر على أن يحقق لهم كل ما يتمنون الوصول إليه إن هم حقا رغبوا في تحقيق ذلك.