HAMASAT

HAMASAT

Apr 29, 2025

السحابة السوداء

أرغب في النهوض من كبوتي، لكن شيئا ما في داخلي يثبطني، ويجعلني أؤجل النهوض والشروع في عملي. تلتف حول إرادتي سحابة سوداء من الأفكار القاتمة، تشلها وتغرقني في بحر من الإحباط والغياب. أعيش في دوامة من الجدل العقيم، لا أستطيع منها فكاكا، وكأنني تائه في متاهة شاسعة من الأنفاق، لا أعلم أي طريق أسلك لأصل إلى نهايتها، وأخرج من الظلام إلى ناحية النور. وتمر الأيام والشهور وأنا على نفس الحال، أعد لنفسي البرامج التي أعتزم تنفيذها، ثم أعود وأمزقها، وأشرع في رسم برنامج جديد. أضع التصميم تلو التصميم، والخطة بعد الخطة، دون أن يستقر لي رأي أو أقتنع بتنفيذ إحداها. كأنني كلب ضال، يعدو داخل غابة، لا يدري أي طريق يسلك ليجد مخرجا. أو سجين يائس يقبع داخل زنزانة انفرادية، يرسم الرموز على الجدران ليعد الوقت، أو ربما ليتخلص منه، عله يتخفف من عذابه. أعلم أن كل تلك البرامج والخطط ناجعة، لو أنني فقط التزمت بتنفيذ إحداها. لكن المشكلة نكمن في عدم التزامي. أبدأ التنفيذ لبضع ساعات، ثم أغير رأيي وأنسحب. أعود متراخيا، أكره نفسي على الاستمرار والمثابرة، لكن أفشل. أعيد الكرة تلو الكرة، والمحاولة تلو الأخرى، حتى تذبل همتي وتخمد، وأجد نفسي في نفس المربع الأول الذي كنت فيه. كأنني في دوامة لا تنتهي، أرى الأمل يلوح في الأفق، لكن، لا أستطيع الوصول إليه. كل محاولة جديدة تحمل في طياتها بذور الفشل السابق، وكل تصميه جديد يتلاشى أمام عيني قبل أن يتحقق. أشعر وكأني أسير في طريق مظلم، لا أرى نهايته، وأتساءل متى سأجد النور الذي يخرجني من هذا الظلام. كما لو أن هناك شيء ما في نفسي يعاكسني، أو ربما جان شرير بعرقلني. أو جزء مناوئ مني يناصبني العداء، ويصر على قتل الجزء الآخر ليفصلني عن مستقبلي، ويبقي علي حيث أنا. لقد قرأت العديد من الكتب والمقالات في علم النفس والتحفيز، ووجدت أن معظمها يعزو المشكلة إلى نقص التحفيز، أو عدم وجود دافع قوي، أو التعب والإرهاق، أو القلق والاكتئاب، أو سوء التغذية، أو الملل، أو التسويف، أو الخوف من الفشل، أو البيئة غير المريحة، أو قلة الدعم الاجتماعي.

ومع ذلك، لا تنطبق أي من هذه الأسباب على حالتي، لكني جاد في الشروع في عملي ورغبتي صادقة. لكن هناك شيئا ما في داخلي يخترق إرادتي بسرعة، ويقتلها، ويعيد سحبي للوراء، ليجعلني أعود إلى المربع الأول حيث بدأت. وبقيت على هذا الحال فترة من الزمان، كدت أستسلم فيها لليأس التام. أسقط ثم أنهض، أتدحرج ثم أصعد، أعرج ثم أستقيم، إلى أن جاء اليوم الذي وضعت فيه أصبعي على قرص الزناد، أو لنقل أشعلت الشرارة الحاسمة التي ستنتقل عبر خيط الوصل لتفجر أصابع الديناميت في كياني. أقسمت أن أعاقب نفسي عقوبة لم يسبق لي أن جربتها، أن أذيقها مرارة العلقم لردعها وأعود بها صاغرة إلى بيت الطاعة. اشتريت حذاء وبذلة رياضيين، وأخبرت والدتي أنني سأشرع في تطبيق حمية غذائية صارمة، وألا تأخذها بي شفقة ولا رحمة، وتوكلت على الله. صبيحة الغد، نهضت مفزوعا على صوت المنبه يرن على وقت صلاة الفجر. أديتها متثائبا، ثم انتقلت إلى مكتبي، وأشعلت حاسوبي وشرعت في العمل. وما إن أمضيت حوالي نصف ساعة أحاول أن أركز فيها على عملي، حتى طوقتني نفس تلك السحابة السوداء من الأفكار القاتمة التي اعتادت أن تطوقني. عاد إلي الخمول والشرود والكسل الأسود المقيت الذي لم أعد أطيق أن أتحمله. ارتديت ثوبي الرياضي ولبست الحذاء، وفتحت باب غرفتي، وانطلقت أقطع سلالم البيت عدوا حتى انتهيت إلى الخارج. وما إن ابتعدت عن المنزل بضعة أمتار حتى أسلمت ساقي للريح، متجها نحو الغابة الواقعة على مشارف المدينة تحت سماء ملبدة بالغيوم، كان الهواء البارد يلسعني، لكنني لم أكن أهتم. كنت أركض بكل ما لدي من طاقة، كأنني أهرب من شيء لا أراه، أو أسعى نحو هدف بعيد خلف الأفق. كل خطوة كانت تقربني من الحرية التي ضيعتها، وكل نفس كان يملأني بعزيمة جديدة وإصرار لا ينتهي. وعندما وصلت إلى مشارف الغابة، لاحظت كلبا كان يلاحقني أثناء جريي. في البداية، كنت أراه كعدو يطاردني، لكن مع مرور الأيام، أصبحنا صديقين. كان يركض بمحاذاتي، وكأننا كلبان متصاحبان يتشاركان نفس الهدف. كان وجوده يمنحني شعورا بالرفقة والدعم، وكأنني لست وحدي في هذه الرحلة. كانت الغابة تبدو كعالم آخر، بعيدا عن صخب المدينة كانت الأشجار الكثيفة تتشابك أغصانها فوق رأمي، مشكلة سقفاً طبيعيا يحجب بعضا من ضوء النهار. وكانت الأرض مغطاة بطبقة سميكة من الأوراق المتساقطة، تصدر صوتا خافتا تحت قدمي مع كل خطوة أخطوها. لم أكن أتهاون في قساوتي على فسي. كنت أتوقف في الغابة لأمارس حركات رياضية قاسية، أزحف على مرفقي كما يفعل الجنود في تدريباتهم العسكرية. كنت أشعر بألم حاد في عضلاتي، وكأنها تحترق من شدة الجهد. وكانت ركبتي ترتعشان، وظهري يتلوى من الألم، لكنني كنت أستمر في التمرين، مصمما على ترويض نفسي. كنت أكرر هذه العقوبات كل يوم، معاقبا نفسي بحرمانها من الأطعمة التي أهواها. كنت أرى في كل قطرة عرق تسقط مني، وفي كل ألم أشعر به، خطوة نحو ترويض نفسي وإعادتها إلى المسار الصحيح. وفي مكان التدريب في الغابة، لاحظت وجود بومة رمادية كانت غالبا ما تعتلي غصن شجرة بلوط تقع قبالتي. كانت تغمزني بإحدى عينيها بين الحين والآخر، وكأنها شامتة وتود أن تقول لي: "تستحق العقوبة أيها المغفل. "كانت تلك النظرات تزيدني إصرارا على المثابرة والتحدي أما أصوات الطيور، فكان يخيل إلى وكأنها تصفر علي لتقول لي: "أنت كسسسول، أنت متقاعسسس." كانت تلك الأصوات تدفعني للعمل بجد أكبر، لأثبت لنفسي أنني قادر على التغلب على كل الصعاب.

علاوة على ذلك، انضممت إلى نادي رياضي متخصص في كمال الأجسام.

كانت التدريبات هناك شاقة ومؤلمة، لكنني كنت أتحمل الألم وأواصل التمارين حتى النهاية. كنت أشعر بأن عضلاتي تلتهب من شدة الجهد، وكنت أعود إلى المنزل منهكا، لكنني كنت أعلم أن هذا الألم هو جزء من الرحلة نحو تحقيق أهدافي. كنت أرى في كل تمرين تحديا جديدا، وكل ما تجاوزت هذا التحدي، كنت أشعر بالقوة تتزايد في داخلي. استمرت هذه الرحلة الشاقة لأيام وأسابيع، حتى بدأت ألاحظ بعض التغيير يطالني. كنت أستيقظ كل صباح بشعور جديد من الحماس، وأواجه يومي بثقة وإصرار. لقد نجحت في ترويض نفسي، وأصبحت أكثر قدرة على التحكم في رغباتي وتحقيق أهدافي. مع مرور الوقت، بدأت ألاحظ عودة الصفاء إلى ذهني. لم تعد الأفكار القاتمة تطاردني بنفس الحدة التي كانت عليها من قبل، وبدأت أشعر بالسلام الداخلي يلامسني. كأن ركيزي بدأ يعود إلي بالتدريج، وأصبحت قادرا على إنجاز المهام بكفاءة أكبر. شعرت بأنني آخذ في استعادت السيطرة على حياتي شيئا فشيئا، وأنني بدأت أقدر على مواجهة التحديات بثقة. لم يعد الشرود والوساوس يسيطران على ذهني، بل أصبحت أفكاري أكثر وضوحا وتركيزا بدأت أشعر بأنني أعيش في اللحظة الحالية، دون أن تشتتني الأفكار السلبية أو قلقي بشأن المستقبل. كأن هذا الصفاء الذهني منحني شعورا بالراحة والطمأنينة، وكأنني أخيرا وجدت السلام الداخلي الذي طالما بحثت عنه. ومع مرور الوقت تبددت تماما تلك السحابة السوداء التي كانت تطوقني، وتحولت إلى سحابة من النور والبهجة وحب المثابرة. شعرت بأنني أتحرر من قيود الكسل والخمول، وأنني أستطيع الآن أن أرى العالم بجمال ووضوح. كانت هذه السحابة الجديدة تملأني بالطاقة الإيجابية، وتدفعني نحو تحقيق أهدافي بكل حماس وإصرار. كنت أشعر بأنني أخيرا أعيش الحياة التي طالما حلمت بها، حياة مليئة بالنشاط والإنتاجية والسعادة. كانت هذه التجربة درسا قاسيا، لكنها كانت ضرورية. تعلمت أن الإرادة القوية والعزيمة الصلبة يمكن أن تتغلب على أي عقبة، وأن النجاح يتطلب التضحية والعمل الجاد. والآن، وأنا أنظر إلى الوراء، أشعر بالفخر. بما حققته، وأدرك أنني قادر على مواجهة أي تحد قد يأتي في طريقي في المستقبل.

About Me
Abderrahmane Hassani

I'm a traveler, wanderer, explorer, and adventurer of life's great journey.

About Me
Abderrahmane Hassani

I'm a traveler, wanderer, explorer, and adventurer of life's great journey.

About Me
Abderrahmane Hassani

I'm a traveler, wanderer, explorer, and adventurer of life's great journey.

التعليقات

إبقَ على اطلاع

مقالات قد تنال إعجابك

Apr 29, 2025

هناك في مكان ما، في جزء ما، في نقطة ما، يكمن الخلل في داخلك. 

Apr 29, 2025

هناك في مكان ما، في جزء ما، في نقطة ما، يكمن الخلل في داخلك. 

Apr 29, 2025

هناك في مكان ما، في جزء ما، في نقطة ما، يكمن الخلل في داخلك. 

Apr 29, 2025

.كل شيء حولي في حالة من الفوضى والارتباك

Apr 29, 2025

.كل شيء حولي في حالة من الفوضى والارتباك

Apr 29, 2025

.كل شيء حولي في حالة من الفوضى والارتباك

Apr 29, 2025

...كل يوم هو بالنسبة لي فرصة جديدة للحياة. فرصة غالية أقدِّرها وأجِلُّها. أعلم أنها فترة زمنية ثمينة، منحني الله إياها

Apr 29, 2025

...كل يوم هو بالنسبة لي فرصة جديدة للحياة. فرصة غالية أقدِّرها وأجِلُّها. أعلم أنها فترة زمنية ثمينة، منحني الله إياها

Apr 29, 2025

...كل يوم هو بالنسبة لي فرصة جديدة للحياة. فرصة غالية أقدِّرها وأجِلُّها. أعلم أنها فترة زمنية ثمينة، منحني الله إياها

Apr 29, 2025

...أشعر بالضيق والاختناق. أحس بنفسي كما لو أنني مطمور تحت ركام هائل من الأتربة والنفايات. كصرصور كسيح مقلوب على ظهره، في جوف بالوعة من بواليع

Apr 29, 2025

...أشعر بالضيق والاختناق. أحس بنفسي كما لو أنني مطمور تحت ركام هائل من الأتربة والنفايات. كصرصور كسيح مقلوب على ظهره، في جوف بالوعة من بواليع

Apr 29, 2025

...أشعر بالضيق والاختناق. أحس بنفسي كما لو أنني مطمور تحت ركام هائل من الأتربة والنفايات. كصرصور كسيح مقلوب على ظهره، في جوف بالوعة من بواليع

اشترك في النشرة البريدية

تصلك مقالاتنا مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

© 2025 Hamasat. Créer par MonkeyDzign.

اشترك في النشرة البريدية

تصلك مقالاتنا مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

© 2025 Hamasat. Créer par MonkeyDzign.

اشترك في النشرة البريدية

تصلك مقالاتنا مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

© 2025 Hamasat. Créer par MonkeyDzign.