لا ترفع عينيك عن البوصلة

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا.
لم تعد الأجواء العامة في مجتمعاتنا مستقرة، كما كان عليه العهد في السابق قبل بضعة عقود. ذهب الهدوء وراحت السكينة وانعدم الأمان، وحلت محلها البلابل والقلاقل وكثرت الفتن. لم يعد أحد قادرا على الحفاظ على اتزانه في ظل هذه الظروف الصعبة. لم يعد بوسع أحد الإبقاء على وجهته مسددة نحو هدف ما.. إذ سرعان ما يصدمه الموج، ويجرفه التيار، وتقذفه رياح المجتمع بعيدا عن الوجهة التي حددها لنفسه قبل الإبحار. لقد حدثت تغيرات مهولة في الحقل "المغناطيسي" للمجتمع بسبب ما عرفه العالم من تطورات رهيبة على المستوى التكنولوجي في الحقبة الأخيرة. لم يعد في وسع أحدنا إلا أن يأخذ الوضعية القسرية التي تجبرنا عليها خطوط المجال التي يفرضها علينا "الحقل المغناطيسي" للمجتمع حيث نقيم. لقد انقلب حال مجتمعنا رأسا على عقب. ذهبت الأخلاق وماتت الآداب وسقطت القيم، بسبب المد الحضاري والثقافي الذي اجتاح معظم البيوت من خلال منصات التواصل الاجتماعي. سقطت الحواجز وانهارت الموانع وتداخلت الأمور ببعضها فأصبحت بيوتنا عورة مكشوفة. لا حماية لها، معرضة للإصابة بكل أصناف العدوى والأوبئة والتلوث الأخلاقي والسلوكي القادم إليها من الخارج. فبِنْتك التي تسكن معك في نفس البيت لم تعد تقطن لوحدها في حجرتها...
حتى وإن كان باب غرفتها عليها موصدا. وولدك كذلك، وكل فرد من أفراد الأسرة، لم يعد أي منهم يعيش لمفرده، وإن كان يجلس بالقرب منك على بعد بضع خطوات.. فلكل عوالمه وملكوته. وكل في فلك يسبحون. تمغنطت مشاعر الناس وأحاسيسها، واضطربت الأفكار في الرؤوس فلم يعد بوسع أحد الصمود في خندقه، ولا باستطاعة بشر الثبات في موقع من المواقع. إلا من رحم ربك. لقد غدا من الصعب توفير الحماية والاستقرار النفسي والعاطفي لأفراد المجتمع في هذه الأجواء الموبوءة التي أصبحنا نعيش تحت تأثير لهيبها. وأصبح من أول أولوياتنا ابتكار مناهج تربوية متطورة، وبرامج توعوية رائدة للخروج من براز هذا الطمي الموبوء الذي أغرقتنا فيه منصات التواصل الاجتماعي العالمية والمواقع الإباحية وقنوات البث الساقطة. وإلى أن يتم ذلك، يجب أن نتسلح بالحذر وبالحيطة. يجب ألا نرفع عيوننا عن البوصلة أن نبحث عن السكون في الحركة، والثبات في الاضطراب، وألا يضيع منا اتجاه القبلة وإن كانت رؤوسنا معكوسة. لكي نتمكن من الوصول إلى أهدافنا بكل مرونة وبكل يسر، من غير أن نفقد مراجعنا، وتختلط علينا السبل، ونضيع في الزحام وسط الأرجل والأقدام.
التعليقات
إبقَ على اطلاع